بمناسبة
مشروع "الإسلام الحضاري"، بدأت الحكومة الماليزية بخطوات عملية للنهوض
بمستوى التعليم على أسس إسلامية، وذلك من خلال تنفيذ برنامج جديد في مجال
التعليم وهو برنامج "جي قاف" (J-QAF)، الذي يُوجَّه إلى التلاميذ في مراحل التعليم كافةً بهدف بناء الشخصية الماليزية وصياغتها على هدى التعاليم الإسلامية.
ويقوم
برنامج "جي قاف" على أربعة أركان أساسية تتكامل جميعها لبناء الشخصية
الماليزية وفق رؤية إسلامية تأخذ بمعطيات العصر، ويرمز كل حرف من حروف
البرنامج إلى أحد هذه الأركان. فيهدف الركن الأول الذي يقوم عليه المشروع،
ويرمز له بالحرف جيه "j"، إلى كتابة اللغة الملايوية "بهاس ملايو" بالحرف العربي والمعروف بـ"الجاوي" اللغة الجاوية أو الكتابة الجاوية. أما الحرف "Q" فيرمز إلى هدف الاهتمام بتعليم القرآن الكريم وإحسان الصلة به وجعله منهجاً للحياة، بينما يرمز الحرف "A" إلى الاهتمام باللغة العربية لأنها الوسيلة الأساسية لفهم القرآن الكريم، كما يرمز الحرف "F" إلى اهتمام البرنامج بالعلوم الإسلامية الواجب معرفتها (فرض عين على كل فرد مسلم) في المجالات الدينية كافة حيث يتعين على المسلمين القيام بها على أكمل وجه .
إن
برنامج "جي قاف" من أهم المشاريع الحضارية التي تعمل على ترسيخ قيم
إسلامية في إطار تنفيذ مناهج التربية الإسلامية بين أبناء الشعب الماليزي.
والحقيقة أن فكرة البرنامج التعليمي "جي قاف" نابعة من فكر ورؤية صاحب
المعالي رئيس وزراء ماليزيا السابق تون عبد الله أحمد بدوي. عندما قام بزيارة وزارة
التربية الماليزية في يوم 30 ديسمبر 2003م، أشار على الوزارة بهذا
البرنامج التعليمي الذي يستطيع من خلاله تلاميذ المدارس الابتدائية ختم
القرآن الكريم بكامله، ودراسة اللغة العربية على أسس سليمة، ودراسة الحرف الجاوي (وهو نظام كتابة اللغة الملايوية بالحرف العربي)، وفروض العين.
واقترح
معالي رئيس الوزراء السابق هذا البرنامج آملاً في تخريج التلاميذ
المتمكنين من حفظ وتلاوة القرآن الكريم، وختمه إلى جانب استيعابهم الفروض
العينية، واللغة العربية، والكتابة الجاوية بدأً من المرحلة الابتدائية. ولهذا،
كلفت الوزارة قسم مناهج التربية الإسلامية والأخلاق بإدارة التربية
الإسلامية والأخلاق التابعة لوزارة التربية الماليزية على القيام بتنفيذ
هذا البرنامج. وبناءً على المشاورات بين الأعضاء التنفيذيين تم اختيار اسم
المشروع ورمز له بـ "جي قاف" (j-QAF)، مع تحديد الجدول الزمني لتنفيذه.
يبدأ
تنفيذ هذا البرنامج من مرحلة التعليم الابتدائي والتي تستغرق 6 سنوات، ثم
يمتد تدريجياً إلى بقية الصفوف الأخرى في المرحلة المتوسطة والثانوية حتى
نهاية التعليم الجامعي. وتستهدف المرحلة الابتدائية إلى تكوين التلميذ
الماليزي بما يؤهله من التمكن من حفظ وفهم القرآن الكريم وأساسيات العلوم
الإسلامية من فروض العين واللغة العربية دون أن يغفل بقية اللغات والعلوم
الأخرى. لا يطبق هذا البرنامج على التلاميذ غير المسلمين، فلهم البديل حيث
تقرر لهم مادة الأخلاق. وجدير بالذكر أن القانون الماليزي يسمح لغير
المسلمين ببناء مدارس خاصة لهم. أما من حيث مادة اللغة العربية، فهي مادة
اختيارية بالنسبة لغير المسلمين.
وهذا
المقرر الجديد بدأ تطبيقه في سنة 2005م ابتداءً بالصف الأول، واستمراراً
في سنة 2006م حيث طبق في الصف الثاني، والصف الثالث يتم تطبيق البرنامج
عليه في عام 2007م، وهكذا يطبق تدريجياً منتهياً إلى الصف السادس في عام 2010م. ومنذ بداية تطبيقه في
سنة 2005م، شاركت فيه 1221 مدرسة وكلف 3663 معلماً لإنجاح هذا البرنامج،
ومن المتوقع زيادة جملة عدد المدارس إلى 7835 مدرسةً في سنة 2010م .
والمدارس المختارة لتنفيذ هذا البرنامج من المدارس التي نفذ فيها أول
برنامج، والمدارس فيها تعليم اللغة العربية، والمدارس فيها 3 فصول للصف
الأول.
وفي سنة 2005، بدأ تسجيل المعلمين المؤهلين والمختارين لتنفيذ هذا البرنامج وبدأ تكليفهم بالعمل في مدارس المرحلة الابتدائية
في أنحاء البلاد. ومن هنا، احتاج البرنامج إلى زيادة عدد المعلمين من سنة
إلى أخرى نظرًا لزيادة المدارس التي شاركت في هذا البرنامج حتى سنة 2010م.
بعد تنفيذ هذا البرنامج التربوي العصري سوف يتمكن تلاميذ المرحلة الابتدائية من:
1- القراءة والكتابة بالجاوية؛
2- ختم القرآن الكريم؛
3- إتقان أُسس اللغة العربية الاتصالية؛
4- فهم أحكام الإسلام وفروض العين والعمل بها.
يُعدُّ برنامج جي قاف (j-QAF) من
المشاريع المهمة لترسيخ التربية الإسلامية الموجودة، ليكون كل ميدان في
التربية الإسلامية من تلاوة القرآن، والعقيدة، والعبادة، والسيرة النبوية،
والأخلاق، والكتابة الجاوية، مطبقًا في الحياة اليومية.
1- أهمية تحسين الكتابة الجاوية (J)
تعد
الكتابة الجاوية من ضمن مقرر التربية الإسلامية والذي بدأ تنفيذه في سنة
2003م حيث خصصت له ساعتان أسبوعيًا ضمن المقرر الدراسي خلال الستة أشهر
الأولى للصف الأول. وفي تقرير المتابعة العملية لهذا وجد أن أساليب تدريس
مهارة القراءة والكتابة الجاوية تحتاج إلى الإصلاح. وهذا يعني أن الكتابة
الجاوية فقط لا تكفي ولا تؤثر في التربية الإسلامية، ولذلك فإن تحسين الكتابة الجاوية في برنامج "جي قاف" مهمة خصوصًا للتلاميذ الضعفاء لكي يكون كل التلاميذ مهرةً في الكتابة الجاوية بعد تربيتهم المستمرة.
2- أهمية ختم القرآن الكريم (Q)
إن
تعليم القرآن الكريم يُعدُّ جزءًا أساسيا من التربية الإسلامية في تربية
الناشئين على تلاوة القرآن من الصغر. لذا، من المهم جدا تعليمهم حتى ختم
القرآن الكريم؛ لأنهم يحتاجون إلى تربية مستمرة من معلم مؤهل لتدريس
المقرر، مع اتباع قاعدة التلقي والمشافهة. كان تدريس التربية الإسلامية في
السابق يميل إلى التركيز على مجرد قراءة بعض السور من القرآن دون التفكير
في فهم معناه وختمه، فلا اهتمام به كثيرا في المدارس.
3- أهمية اللغة العربية(A)
تدرس
اللغة العربية في المدارس الابتدائية بوصفها مادةً من اللغات الإضافية أو
المواد الاختيارية. فتعليمها في المدارس المختارة والمحددة فقط، وهذا يعني
أنها لم تكن تدرًّس لجميع الطلاب. ولكن من خلال برنامج "جي قاف" يتم التوسع
في تدريس مادة اللغة العربية وتعميم دراستها في كل المدراس، وتكون مادة إجبارية على الطلاب المسلمين.
4- أهمية فروض العين(F)
لا
يقتنع كثير من الآباء بالمستوى التحصيلي لأولادهم في المعارف والعلوم
الإسلامية وفروض العين وبصفة خاصة في تعلّم الصلاة. ولهذا، يؤمل بعد تنفيذ
نماذج عبقرية الصلاة (Model Bestari Solat) أن ساعد البرنامج في تثبيت مهارة الأبناء وإلمامهم بفرض العين الواجب عليهم تعلمها، حتى يؤدوا عبادتهم على أحسن وجه.
د. عبدالرحمن شيك
أستاذ مشارك بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا